بمعنى وصى، كقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ". وقيل: معناها هنا الحضور للوصية، يقال: شهدت وصية فلان أي حضرتها. وذهب الطبري إلى أن الشهادة بمعنى اليمين، فيكون المعنى يمين ما بينكم أن يحلف اثنان، واستدل على أن ذلك غير الشهادة التي تؤدى للمشهود له بأنه لا يعلم لله حكم يجب فيه على الشاهد يمين. واختار هذا القول القفال. وسميت اليمين شهادة، لأنه يثبت بها الحكم كما يثبت بالشهادة. واختار ابن عطية أن الشهادة هنا هي الشهادة التي تحفظ فتؤدى، وضعف كونها بمعنى الحضور واليمين.
الثالثة - قوله تعالى: " بينكم " قيل: معناه ما بينكم فحذفت " ما " وأضيفت الشهادة إلى الظرف، واستعمل اسما على الحقيقة، وهو المسمى عند النحويين بالمفعول على السعة، كما قال * يوما شهدناه سليما وعامرا (1) * أراد شهدنا فيه. وقال تعالى: " بل مكر الليل والنهار " (2) [سبأ: 33] أي مكركم فيهما. وأنشد:
تصافح من لاقيت لي ذا عداوة * صفاحا وعني بين عينيك منزوي أراد ما بين عينيك فحذف، ومنه قوله تعالى: " هذا فراق بيني وبينك " (3) [الكهف: 78] أي ما بيني وبينك.
الرابعة - قوله تعالى: (إذا حضر) معناه إذا قارب الحضور، وإلا فإذا حضر الموت لم يشهد ميت (4). وهذا كقوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " (5) [النحل: 98]. وكقوله:
" إذا طلقتم النساء فطلقوهن " (6) [الطلاق: 1] ومثله كثير. والعامل في " إذا " المصدر الذي هو " شهادة ".
الخامسة - قوله تعالى: (حين الوصية اثنان) " حين " ظرف زمان والعامل فيه " حضر " وقوله: " اثنان " يقتضي بمطلقه شخصين، ويحتمل رجلين، إلا أنه لما قال بعد ذلك: " ذوا عدل " بين أنه أراد رجلين، لأنه لفظ لا يصلح إلا للمذكر، كما أن " ذواتا " (7) [الرحمن: 48] لا يصلح إلا للمؤنث. وارتفع " اثنان " على أنه خبر المبتدأ الذي هو " شهادة "