من الرعب من كلامه والاتقاء له ما يكفهم عن كلامه، ويمنعهم عن سؤاله، فلا تعم المصلحة ولو نقله عن صورة الملائكة إلى مثل صورتهم ليأنسوا به وليسكنوا إليه لقالوا: لست ملكا وإنما أنت بشر فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم. وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة البشر فأتوا إبراهيم ولوطا في صورة الآدميين، وأتى جبريل النبي عليه الصلاة والسلام في صورة دحية الكلبي. أي لو أنزل ملك لرأوه في صورة رجل (1) كما جرت عادة الأنبياء، ولو نزل على عادته لم يروه، فإذا جعلناه رجلا التبس عليهم فكانوا يقولون: هذا ساحر مثلك. وقال الزجاج:
المعنى (وللبسنا عليهم) أي على رؤسائهم كما يلبسون على ضعفتهم وكانوا يقولون لهم: إنما محمد بشر وليس بينه وبينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا (2) ويشككونهم، فأعلمهم الله عز وجل أنه لو أنزل ملكا في صورة رجل لوجدوا سبيلا إلى اللبس كما يفعلون. واللبس الخلط، يقال:
لبست عليه الامر ألبسه لبسا أي خلطته، وأصله التستر بالثوب ونحوه وقال: " لبسنا " بالإضافة إلى نفسه على جهة الخلق، وقال " ما يلبسون " فأضاف إليهم على جهة الاكتساب.
ثم قال مؤنسا لنبيه عليه الصلاة والسلام ومعزيا: " ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق " أي نزل بأممهم من العذاب ما أهلكوا به جزاء استهزائهم بأنبيائهم. حاق بالشئ يحيق حيقا وحيوقا وحيقانا نزل، قال الله تعالى: " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " (3) [فاطر: 43] و " ما " في قوله:
" ما كانوا " بمعنى الذي وقيل: بمعنى المصدر أي حاق بهم عاقبة استهزائهم.
قوله تعالى: قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين (11) قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون (12) قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض) أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين المستسخرين المكذبين:
سافروا في الأرض فانظروا واستخبروا لتعرفوا ما حل بالكفرة قبلكم من العقاب وأليم العذاب