الرابعة: قوله تعالى: " ولا تعتدوا " قيل: المعنى لا تعتدوا فتحلوا (1) ما حرم الله فالنهيان على هذا تضمنا الطرفين، أي لا تشددوا فتحرموا حلالا، ولا تترخصوا فتحلوا حراما، قاله الحسن البصري. وقيل: معناه التأكيد لقوله: " تحرموا "، قاله السدي وعكرمة وغيرهما، أي لا تحرموا ما أحل الله وشرع. والأول أولى. والله أعلم.
الخامسة - من حرم على نفسه طعاما أو شرابا أو أمة له، أو شيئا مما أحل الله فلا شئ عليه، ولا كفارة في شئ من ذلك عند مالك، إلا أنه إن نوى بتحريم الأمة عتقها صارت حرة وحرم عليه وطؤها إلا بنكاح جديد [بعد عتقها] (2). وكذلك إذا قال لامرأته أنت علي حرام فإنه تطلق عليه ثلاثا، وذلك أن الله تعالى قد أباح له أن يحرم امرأته عليه بالطلاق صريحا وكناية، وحرام من كنايات الطلاق. وسيأتي ما للعلماء فيه في سورة (التحريم) (3) إن شاء الله تعالى. وقال أبو حنيفة: إن من حرم شيئا صار محرما عليه، وإذا تناوله لزمته الكفارة، وهذا بعيد والآية ترد عليه. وقال سعيد بن جبير. لغو اليمين تحريم الحلال. وهو معنى قول الشافعي على ما يأتي.
قوله تعالى: وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون (88) قوله تعالى: (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) فيه مسألة واحدة: الاكل في هذه الآية عبارة عن التمتع بالاكل والشرب واللباس والركوب ونحو ذلك. وخص الاكل بالذكر، لأنه أعظم المقصود وأخص الانتفاعات بالانسان. وسيأتي بيان حكم الأكل والشرب واللباس في " الأعراف " (4) [إن شاء الله تعالى] (5). وأما شهوة الأشياء الملذة، ومنازعة النفس إلى طلب الأنواع الشهية، فمذاهب الناس في تمكين النفس منها مختلفة، فمنهم من يرى صرف النفس عنها وقهرها عن اتباع شهواتها أحرى ليذل له قيادها، ويهون عليه