عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام، فلما قدم مآب (1) من أرض البلقاء، وبها يومئذ العماليق أولاد عمليق - ويقال عملاق - بن لاوذ بن سام بن نوح، رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا: هذه أصنام نستمطر بها فنمطر، ونستنصر بها فننصر، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما أسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطوه صنما يقال له: (هبل) فقدم به مكة فنصبه، وأخذ الناس بعبادته وتعظيمه، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنزل الله عليه " ما جعل الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ".
" ولكن الذين كفروا " يعني من قريش وخزاعة ومشركي العرب " يفترون على الله الكذب " بقولهم: إن الله أمر بتحريمها، ويزعمون أنهم يفعلون ذلك لرضا ربهم في طاعة الله، وطاعة الله إنما تعلم من قوله، ولم يكن عندهم من الله بذلك قول، فكان ذلك مما يفترونه على الله.
وقالوا: " ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا " [الانعام: 139] يعني من الولد والألبان " ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة " [الانعام: 139] يعني إن وضعته ميتا اشترك فيه الرجال والنساء، فذلك قوله عز وجل:
" فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم " [الانعام: 139] أي بكذبهم العذاب في الآخرة " إنه حكيم عليم " (2) [الانعام: 139] أي بالتحريم والتحليل. وأنزل عليه: " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون " (3) [يونس: 59] وأنزل عليه: " ثمانية أزواج " (2) [الانعام: 143] وأنزل عليه:
" وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه " (2) [الانعام: 138] الآية.
الرابعة - تعلق أبو حنيفة رضي الله عنه في منعه الأحباس ورده الأوقاف، بأن الله تعالى عاب على العرب ما كانت تفعله من تسييب البهائم وحمايتها وحبس أنفاسها عنها، وقاس على البحيرة والسائبة والفرق بين. ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال: هذه تكون حبسا، لا يجتنى ثمرها، ولا تزرع أرضها، ولا ينتفع منها بنفع، لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة. وقد قال علقمة لمن سأله عن هذه الأشياء: ما تريد إلى شئ كان من عمل أهله الجاهلية وقد ذهب.
وقال نحوه ابن زيد. وجمهور العلماء على القول بجواز الأحباس والأوقاف ما عدا أبا حنيفة