هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: دعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناها لكم. قال الدارمي: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، قال حدثنا ابن فضيل عن عطاء عن ابن عباس قال: ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، منهن " يسألونك عن الشهر الحرام " (1) [البقرة: 217]، " ويسألونك عن المحيض " [البقرة: 222] [وشبهه] (2) ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم.
الرابعة - قال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله، فمن سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه، باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه، فلا بأس به، فشفاء العي (3) السؤال، ومن سأل متعنتا غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره، قال ابن العربي: الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة، وإيضاح سبل النظر، وتحصيل مقدمات الاجتهاد، وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد، فإذا عرضت نازلة أتيت من بابها، ونشدت في مظانها، والله يفتح في صوابها.
الخامسة - قوله تعالى: (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم) فيه غموض، وذلك أن في أول الآية النهي عن السؤال ثم قال: " وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " فأباحه لهم، فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه، فحذف المضاف، ولا يصح حمله على غير الحذف. قال الجرجاني: الكناية في " عنها " ترجع إلى أشياء أخر، كقوله تعالى: " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين " [المؤمنون: 12] يعني آدم، ثم قال: " ثم جعلناه نطفة " (4) [المؤمنون: 13] أي ابن آدم، لان آدم لم يجعل نطفة في قرار مكين، لكن لما ذكر الانسان وهو آدم دل على إنسان مثله، وعرف ذلك بقرينة الحال، فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم، أو مست حاجتكم إلى التفسير، فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم، فقد أباح هذا النوع من السؤال: ومثاله أنه بين عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها والحامل،