صاحبها مسجدا للمسلمين، ويخلي بينهم وبينها، وقد خرجت بذلك من ملك إلى غير مالك، ولكن إلى الله تعالى، وكذلك السقايات والجسور والقناطر، فما ألزمت مخالفك في حجتك عليه يلزمك في هذا كله. والله أعلم.
الخامسة - اختلف المجيزون للحبس فيما للمحبس من التصرف، فقال الشافعي: ويحرم على الموقف ملكه كما يحرم عليه ملك رقبة العبد، إلا أنه جائز له أن يتولى صدقته، وتكون بيده ليفرقها ويسلبها فيما أخرجها فيه، لان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يزل يلي صدقته - فيما بلغنا - حتى قبضه الله عز وجل قال: وكذلك علي وفاطمة رضي الله عنهما كانا يليان صدقاتهما، وبه قال أبو يوسف وقال مالك: من حبس أرضا أو نخلا أو دارا على المساكين وكانت بيده يقوم بها ويكريها ويقسمها في المساكين حتى مات والحبس في يديه، أنه ليس بحبس ما لم يجزه غيره وهو ميراث، والربع (1) عنده والحوائط والأرض لا ينفذ حبسها، ولا يتم حوزها، حتى يتولاه غير من حبسه، بخلاف الخيل والسلاح، هذا محصل مذهبه عند جماعة أصحابه (2)، وبه قال ابن أبي ليلى.
السادسة - لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه، لأنه أخرجه لله وقطعه عن ملكه، فانتفاعه بشئ منه رجوع في صدقته، وإنما يجوز له الانتفاع إن شرط ذلك في الوقف، أو أن يفتقر المحبس (3)، أو ورثته فيجوز لهم الاكل منه. ذكر ابن حبيب عن مالك قال:
من حبس أصلا تجري غلته على المساكين فإن ولده يعطون منه إذا افتقروا - كانوا يوم حبس أغنياء أو فقراء - غير أنهم لا يعطون جميع الغلة مخافة أن يندرس الحبس ولكن يبقى منه سهم للمساكين ليبقى عليه اسم الحبس، ويكتب على الولد كتاب أنهم إنما يعطون منه ما أعطوا على سبيل المسكنة، وليس على حق لهم دون المساكين.
السابعة - عتق السائبة جائز، وهو أن يقول السيد لعبده أنت حر وينوي العتق، أو يقول: أعتقتك سائبة، فالمشهور من مذهب مالك عند جماعة أصحابه أن ولاءه لجماعة المسلمين، وعتقه نافذ، هكذا روى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب وغيرهم، وبه