ولم يجر ذكر عدة التي ليست بذات قرء ولا حامل، فسألوا عنها فنزل " واللائي يئسن من المحيض " (1) [الطلاق: 4]. فالنهي إذا في شئ لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه، فأما ما مست الحاجة إليه فلا.
السادسة - قوله تعالى: (عفا الله عنها) أي عن المسألة التي سلفت منهم.
وقيل: عن الأشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية وما جرى مجراها. وقيل: العفو بمعنى الترك، أي تركها ولم يعرف بها في حلال ولا حرام فهو معفو عنها فلا تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه ساءكم. وكان عبيد بن عمير يقول: إن الله أحل وحرم، فما أحل فاستحلوه، وما حرم فاجتنبوه، وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله، ثم يتلو هذه الآية. وخرج الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحدد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها] والكلام على هذا التقدير فيه تقديم وتأخير، أي لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم، أي أمسك عن ذكرها فلم يوجب فيها حكما. وقيل: ليس فيه تقديم ولا تأخير، بل المعنى قد عفا الله عن مسألتكم التي سلفت وإن كرهها النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تعودوا لأمثالها. فقوله: " عنها " أي عن المسألة، أو عن السؤالات كما ذكرناه.
السابعة - قوله تعالى: (قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين) أخبر تعالى أن قوما من قبلنا قد سألوا آيات مثلها، فلما أعطوها وفرضت عليهم كفروا بها، وقالوا:
ليست من عند الله، وذلك كسؤال قوم صالح الناقة، وأصحاب عيسى المائدة، وهذا تحذير مما وقع فيه من سبق من الأمم. والله أعلم.
الثامنة - إن قال قائل: ما ذكرتم من كراهية السؤال والنهى عنه، يعارضه قوله تعالى:
" فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (3) [النحل: 43] فالجواب، أن هذا الذي أمر الله به عباده