وأبا يوسف وزفر، وهو قول شريح إلا أن أبا يوسف رجع عن قول أبي حنيفة في ذلك لما حدثه ابن علية عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يتصدق بسهمه بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [احبس الأصل وسبل الثمرة] (1). وبه يحتج كل من أجاز الأحباس، وهو حديث صحيح قاله أبو عمر. وأيضا فإن المسألة إجماع من الصحابة وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص وابن الزبير وجابرا كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة.
وروى أن أبا يوسف قال لمالك بحضرة الرشيد: إن الحبس لا يجوز، فقال له مالك:
هذه الأحباس أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك وأحباس أصحابه.
وأما ما احتج به أبو حنيفة من الآية فلا حجة فيه، لان الله سبحانه إنما عاب عليهم أن تصرفوا بعقولهم بغير شرع توجه إليهم، أو تكليف فرض عليهم في قطع طريق الانتفاع، وإذهاب نعمة الله تعالى، وإزالة المصلحة التي للعباد في تلك الإبل. وبهذا فارقت هذه الأمور الأحباس والأوقاف. ومما احتج به أبو حنيفة وزفر ما رواه عطاء عن ابن المسيب قال: سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الآخر (2) من ولده فقال: لا حبس عن فرائض الله، قالوا: فهذا شريح قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين حكم بذلك. واحتج أيضا بما رواه ابن لهيعة عن أخيه عيسى، عن عكرمة عن ابن عباس، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعدما أنزلت سورة " النساء " وأنزل الله فيها الفرائض: ينهى عن الحبس. قال الطبري: الصدقة التي يمضيها المتصدق في حياته على ما أذن الله به على لسان نبيه وعمل به الأئمة الراشدون رضي الله عنهم ليس من الحبس عن فرائض الله، ولا حجة في قول شريح ولا في قول أحد يخالف السنة، وعمل الصحابة الذين هم الحجة على جميع الخلق، وأما حديث ابن عباس فرواه ابن لهيعة، وهو رجل اختلط عقله في آخر عمره، وأخوه غير معروف فلا حجة فيه، قاله ابن القصار.
فإن قيل: كيف يجوز أن تخرج الأرض بالوقف عن ملك أربابها لا إلى ملك مالك؟
قال الطحاوي يقال لهم: وما ينكر من هذا وقد اتفقت أنت وخصمك على الأرض يجعلها