السابعة - في قوله تعالى: (ولم يصروا) حجة واضحة ودلالة قاطعة لما قال سيف السنة، ولسان الأمة القاضي أبو بكر بن الطيب: أن الانسان يؤاخذ بما وطن عليه بضميره (1)، وعزم عليه بقلبه من المعصية.
قلت: وفي التنزيل: " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " [الحج: 25] (2) وقال:
" فأصبحت كالصريم " [القلم: 20] (3). فعوقبوا قبل فعلهم بعزمهم وسيأتي بيانه. وفي البخاري (إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار) قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟
قال: (إنه كان حريصا على قتل صاحبه). فعلق الوعيد على الحرص وهو العزم وألغى إظهار السلاح، وأنص من هذا ما خرجه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري وصححه مرفوعا (إنما الدنيا لأربعة نفر رجل أعطاه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم الله فيه حقا فهذا أفضل المنازل، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو [صادق النية] (4) يقول لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو [يخبط في مال بغير علم] (4) لا يتقي فيه ربه ولا يصل به رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما فهو يقول لو أن مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوزرهما سواء). وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ولا يلتفت إلى خلاف من زعم أن ما يهم الانسان به وإن وطن عليه (5) لا يؤاخذ به. ولا حجة [له] (6) في قول عليه السلام: (من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه فإن عملها كتبت سيئة واحدة) لان معنى (فلم يعملها) فلم يعزم على عملها بدليل ما ذكرنا، ومعنى (فإن عملها) أي أظهرها أو عزم عليها بدليل ما وصفنا. وبالله توفيقنا.
قوله تعالى: أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنت تجرى من تحتها الأنهر خالدين فيها ونعم أجر العملين (136) رتب تعالى بفضله وكرمه غفران الذنوب لمن أخلص في توبته ولم يصر على ذنبه. ويكن أن يتصل هذا بقصة أحد، أي من فر ثم تاب ولم يصر فله مغفرة الله.