قال يوم أحد لما رأى قريشا قد أرسلت الظهر (1) في زروع قناة (2)، أترعى زروع بني قيلة (3) ولما نضارب؟ والمعنى إن لم تقاتلوا في سبيل الله فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وحريمكم.
قوله تعالى: (هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان) أي بينوا حالهم، وهتكوا أستارهم، وكشفوا عن نفاقهم لمن كان يظن أنهم مسلمون، فصاروا أقرب إلى الكفر في ظاهر الحال، وإن كانوا كافرين على التحقيق. وقوله تعالى: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) أي أظهروا الايمان، وأضمروا الكفر. وذكر الأفواه تأكيد، مثل قوله: " يطير بجناحيه " [الانعام: 38] (4).
قوله تعالى: الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين (168) قوله تعالى: (الذين قالوا لإخوانهم) معناه لأجل (5) إخوانهم، وهم الشهداء المقتولون من الخزرج، وهم إخوة نسب ومجاورة، لا إخوة الدين. أي قالوا لهؤلاء الشهداء: لو قعدوا، أي بالمدينة ما قتلوا. وقيل: قال عبد الله بن أبي وأصحابه لإخوانهم، أي لاشكالهم من المنافقين: لو أطاعونا، هؤلاء الذين قتلوا، لما قتلوا. وقوله (لو أطاعونا) يريد في ألا يخرجوا إلى قريش. وقوله: (وقعدوا) أي قالوا هذا القول وقعدوا بأنفسهم عن الجهاد، فرد الله عليهم بقوله: (قل فادرءوا) أي قل لهم يا محمد: إن صدقتم فادفعوا الموت عن أنفسكم.
والدرء الدفع. بين بهذا أن الحذر لا ينفع من القدر، وأن المقتول يقتل بأجله، وما علم الله وأخبر به كائن لا محالة. وقيل: مات يوم قيل هذا، سبعون منافقا. وقال أبو الليث السمرقندي: سمعت بعض المفسرين بسمرقند يقول: لما نزلت الآية " قل فادرءوا عن أنفسكم الموت " مات يومئذ سبعون نفسا من المنافقين.