والرسوخ: الثبوت في الشئ، وكل ثابت راسخ. وأصله في الأجرام أن يرسخ الجبل والشجر في الأرض، قال الشاعر:
لقد رسخت في الصدر مني مودة * لليلى أبت آياتها أن تغيرا ورسخ الايمان في قلب فلان يرسخ رسوخا. وحكى بعضهم: رسخ الغدير: نضب ماؤه، حكاه ابن فارس فهو من الأضداد. ورسخ ورضخ ورصن ورسب كله ثبت فيه. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الراسخين في العلم فقال: " هو من برت يمينه وصدق لسانه واستقام قلبه ".
فإن قيل: كيف كان في القرآن متشابه والله يقول: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " (1) فكيف لم يجعله كله واضحا؟ قيل له: الحكمة في ذلك - والله أعلم - أن يظهر فضل العلماء، لأنه لو كان كله واضحا لم يظهر فضل بعضهم على بعض. وهكذا يفعل من يصنف تصنيفا يجعل بعضه واضحا وبعضه مشكلا، ويترك للجثوة (2) موضعا، لان ما هان وجوده قل بهاؤه. والله أعلم.
التاسعة - قوله تعالى: (كل من عند ربنا) فيه ضمير عائد على كتاب الله تعالى محكمه ومتشابهه، والتقدير: كله من عند ربنا. وحذف الضمير لدلالة " كل " عليه، إذ هي لفظة تقتضي الإضافة. ثم قال: (وما يذكر إلا أولو الألباب) أي ما يقول هذا ويؤمن ويقف حيث وقف ويدع اتباع المتشابه إلا ذو لب، وهو العقل. ولب كل شئ خالصه، فلذلك قيل للعقل لب. و " أولو " جمع ذو.
قوله تعالى: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا) في الكلام حذف تقديره يقولون.
وهذا حكاية عن الراسخين. ويجوز أن يكون المعنى قل يا محمد، ويقال: إزاغة القلب فساد