الثانية - قوله تعالى: (وهب لنا من لدنك رحمة) أي من عندك ومن قبلك تفضلا لا عن سبب منا ولا عمل. وفى هذا استسلام وتطارح. وفى " لدن " أربع لغات: لدن بفتح اللام وضم الدال وجزم النون، وهي أفصحها، وبفتح اللام وضم الدال وحذف النون، وبضم اللام وجزم الدال وفتح النون، وبفتح اللام وسكون الدال وفتح النون. ولعل جهال المتصوفة وزنادقة الباطنية يتشبثون بهذه الآية وأمثالها فيقولون: العلم ما وهبه الله ابتداء من غير كسب، والنظر في الكتب والأوراق حجاب. وهذا مردود على ما يأتي بيانه في هذا الموضع.
ومعنى الآية: هب لنا نعيما صادرا عن الرحمة، لان الرحمة راجعة إلى صفة الذات فلا يتصور فيها الهبة. يقال: وهب يهب والأصل. يوهب بكسر الهاء. ومن قال: الأصل يوهب بفتح الهاء فقد أخطأ لأنه لو كان كما قال لم تحذف الواو كما لم تحذف في يوجل، وإنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتح بعد حذفها لان فيه حرفا من حروف الحلق.
قوله تعالى: ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9) أي باعثهم ومحييهم بعد تفرقهم، وفى هذا إقرار بالبعث ليوم القيامة. قال الزجاج:
هذا هو التأويل الذي علمه الراسخون وأقروا به، وخالف الذين اتبعوا ما تشابه عليهم من أمر البعث حتى أنكروه. والريب الشك، وقد تقدمت محامله في البقرة (1). والميعاد مفعال من الوعد.
قوله تعالى: إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار (10) معناه بين، أي لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئا. وقرأ السلمي (2) " لن يغنى " بالياء لتقدم الفعل ودخول الحائل بين الاسم والفعل. وقرأ الحسن " يغنى " بالياء وسكون الياء الآخرة للتخفيف، كقول الشاعر: