قوله تعالى: (فآمنوا بالله ورسله) يقال: إن الكفار لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم من (1) يؤمن منهم، فأنزل الله " فآمنوا بالله ورسله " يعني لا تشتغلوا بما لا يعنيكم، واشتغلوا بما يعنيكم وهو الايمان. (فآمنوا) أي صدقوا، أي عليكم التصديق لا التشوف إلى اطلاع الغيب. (وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) أي الجنة. ويذكر أن رجلا كان عند الحجاج بن يوسف الثقفي منجما، فأخذ الحجاج حصيات بيده قد عرف عددها فقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب فأصاب المنجم. فأغفله الحجاج وأخذ حصيات لم يعدهن فقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب فأخطأ، ثم حسب أيضا فأخطأ، فقال:
أيها الأمير، أظنك لا تعرف عدد ما في يدك؟ قال لا: قال: فما الفرق بينهما؟ فقال:
إن ذاك أحصيته فخرج عن حد الغيب، فحسبت فأصبت، وإن هذا لم تعرف عددها فصار غيبا، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى. وسيأتي هذا الباب في " الانعام " (2) إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير (180) فيه أربع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ولا يحسبن الذين) " الذين " (3) في موضع رفع، والمفعول الأول محذوف.
قال الخليل وسيبويه والفراء: المعنى البخل خيرا لهم، أي لا يحسبن الباخلون البخل خيرا لهم. وإنما حذف لدلالة يبخلون على البخل، وهو كقوله: من صدق كان خيرا له. أي كان الصدق خيرا له. ومن هذا قول الشاعر:
إذا نهي السفيه جرى إليه * وخالف والسفيه إلى خلاف فالمعنى: جرى: إلى السفه، فالسفيه دل على السفه. وأما قراءة حمزة بالتاء فبعيدة جدا، قاله النحاس. وجوازها أن يكون التقدير: لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيرا لهم. قال