وفيه دليل على صحة التوبة بعد نقضها بمعاودة الذنب، لان التوبة الأولى طاعة وقد انقضت وصحت، وهو محتاج بعد مواقعة الذنب الثاني إلى توبة أخرى مستأنفة، والعود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه، لأنه أضاف (1) إلى الذنب نقض التوبة، فالعود إلى التوبة أحسن من ابتدائها، لأنه أضاف (1) إليها ملازمة الالحاح بباب الكريم، وأنه لا غافر للذنوب سواه.
وقوله في أخر الحديث (اعمل ما شئت) أمر معناه الاكرام في أحد الأقوال، فيكون من باب قوله: " ادخلوها بسلام " [الحجر: 46] (2). وآخر الكلام خبر (3) عن حال المخاطب بأنه مغفور له ما سلف من ذنبه، ومحفوظ إن شاء الله تعالى فيما يستقبل من شأنه. ودلت الآية والحديث على عظيم فائدة الاعتراف بالذنب والاستغفار منه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه) أخرجاه في الصحيحين. وقال:
يستوجب العفو الفتى إذا اعترف * بما جنى من الذنوب واقترف * وقال آخر:
أقرر بذنبك ثم اطلب تجاوزه * إن الجحود الذنب ذنبان وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم). وهذه فائدة اسم الله تعالى الغفار والتواب، على ما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى.
الخامسة - الذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره، فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره، وليس مجرد الايمان نفس توبة، وغير الكفر إما حق لله تعالى، وإما حق لغيره، فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك، غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء كالصلاة والصوم، ومنها ما أضاف إليها كفارة كالحنث في الايمان والظهار وغير ذلك، وأما حقوق الآدميين فلابد من إيصالها إلي مستحقيها، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لاعسار فعفو الله مأمول، وفضله مبذول، فكم ضمن من التبعات وبدل من السيئات بالحسنات.
وستأتي زيادة بيان لهذا المعنى (4).