قوله تعالى فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ والله بصير بالعباد (20) قوله تعالى: (فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن) أي جادلوك بالأقاويل المزورة والمغالطات، فأسند أمرك إلى ما كلفت من الايمان والتبليغ وعلى الله نصرك. وقوله " وجهي " بمعنى ذاتي، ومنه الحديث (سجد وجهي للذي خلقه وصوره). وقيل: الوجه هنا بمعنى القصد، كما تقول: خرج فلان في وجه كذا. وقد تقدم هذا المعنى في البقرة مستوفى (1)، والأول أولى. وعبر بالوجه عن سائر الذات إذ هو أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس. وقال:
أسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى: " ويبقى وجه ربك " (2): إنها عبارة عن الذات وقيل:
العمل الذي يقصد به وجهه. وقوله: " ومن اتبعن " " من " في محل رفع عطفا على التاء في قوله " أسلمت " أي ومن اتبعن أسلم أيضا، وجاز العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد للفصل بينهما. وأثبت نافع وأبا عمرو ويعقوب ياء " اتبعن " على الأصل، وحذف الآخرون اتباعا للمصحف إذ وقعت فيه بغير ياء. وقال الشاعر:
ليس تخفى يسارتي قدر يوم * ولقد تخف شيمتي إعساري قوله تعالى: (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد) يعنى اليهود والنصارى " والأميين " الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب. " أأسلمتم " استفهام معناه التقرير وفي ضمنه الامر، أي أسلموا، كذا قال الطبري وغيره. وقال الزجاج: " أأسلمتم " تهديد. وهذا حسن لان المعنى أأسلمتم أم لا. وجاءت العبارة في قوله " فقد اهتدوا " بالماضي مبالغة في الاخبار بوقوع الهدى لهم