حالين: الأول - حال المتمكن في التوكل فلا يلتفت إلى شئ من تلك الأسباب بقلبه، ولا يتعاطاه إلا بحكم الامر.
الثاني - حال غير المتمكن وهو الذي يقع له الالتفات إلى تلك الأسباب أحيانا غير أنه يدفعها عن نفسه بالطرق العلمية، والبراهين القطعية، والأذواق الحالية، فلا يزال كذلك إلى أن يرقيه الله بجوده إلى مقام المتوكلين المتمكنين، ويلحقه بدرجات العارفين.
قوله تعالى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين (125) فيه ست مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ولقد نصركم الله ببدر) كانت بدر يوم سبعة عشر من رمضان، يوم جمعة لثمانية عشر شهرا من الهجرة، وبدر ماء هنالك وبه سمي الموضع . وقال الشعبي: كان ذلك الماء لرجل من جهينة يسمى بدرا، وبه سمي الموضع.
والأول أكثر. وقال الواقدي وغيره: بدر اسم لموضع غير منقول. وسيأتي في قصة بدر في " الأنفال " (1) إن شاء الله تعالى. و " أذلة " معناها قليلون، وذلك أنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا. وكان عدوهم ما بين التسعمائة إلى الألف. و " أذلة " جمع ذليل. واسم الذل في هذا الموضع مستعار، ولم يكونوا في أنفسهم إلا أعزة، ولكن نسبتهم إلى عدوهم وإلى جميع الكفار في أقطار الأرض تقتضي عند التأمل ذلتهم وأنهم يغلبون. والنصر العون، فنصرهم الله يوم بدر، وقتل فيه صناديد المشركين، وعلى ذلك اليوم أبتني (2) الاسلام، وكان أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح مسلم عن بريدة قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، قاتل في ثمان منهن. وفيه عن ابن إسحاق قال: لقيت