قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقبكم فتنقلبوا خاسرين (149) بل الله مولاكم وهو خير الناصرين (150) لما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر طاعة الكافرين، يعني مشركي العرب: أبا سفيان وأصحابه وقيل: اليهود والنصارى. وقال علي رضي الله عنه:
يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة: ارجعوا إلى دين آبائكم. (يردوكم على أعقابكم) أي إلى الكفر. (فتنقلبوا خاسرين) أي فترجعوا مغبونين. ثم قال: (بل الله مولاكم) أي متولي نصركم وحفظكم إن أطعتموه. وقرئ " بل الله " بالنصب، على تقدير بل وأطيعوا الله مولاكم.
قوله تعالى: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطنا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين (151) نظيره " وقذف في قلوبهم الرعب " (1). وقرأ ابن عامر والكسائي " الرعب " بضم العين، وهما لغتان. والرعب: الخوف، يقال: رعبته رعبا ورعبا، فهو مرعوب. ويجوز أن يكون الرعب مصدرا، والرعب الاسم. وأصله من المل ء، يقال: سيل راعب يملا الوادي.
ورعبت الحوض ملأته. والمعنى: سنملأ قلوب المشركين (2) خوفا وفزعا. وقرأ السختياني " سيلقي " بالياء، والباقون بنون العظمة. قال السدي وغيره: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ندموا وقالوا:
بئس ما صنعنا! قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد (3) تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم، فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به. والالقاء يستعمل حقيقة في الأجسام، قال الله تعالى: " وألقى الألواح " [الأعراف: 150] (4) " فألقوا حبالهم وعصيهم " [الشعراء: 44] " فألقى موسى عصاه " [الأعراف: 107]. قال الشاعر:
* فألقت عصاها واستقر بها النوى *