صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، فأنزل الله تعالى: " ألن يكفيكم - إلى قوله:
مسومين " فبلغ كرزا الهزيمة فلم يمدهم ورجع، فلم يمدهم (1) الله أيضا بالخمسة آلاف، وكانوا قد مدوا بألف. وقيل: إنما وعد الله المؤمنين يوم بدر إن صبروا على طاعته، واتقوا محارمه أن يمدهم أيضا في حروبهم كلها، فلم يصبروا ولم يتقوا محارمه إلا في يوم الأحزاب، فأمدهم حين حاصروا قريظة. وقيل: إنما كان هذا يوم أحد، وعدهم الله المدد إن صبروا، فما صبروا فلم يمدهم بملك واحد، ولو أمدوا لما هزموا، قاله عكرمة والضحاك. فإن قيل:
فقد ثبت عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره يوم بدر (2) رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد. قيل له: لعل هذا مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم، خصه بملكين يقاتلان عنه، ولا يكون هذا إمدادا للصحابة. والله أعلم.
الثانية - نزول الملائكة سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى، وإنما يحتاج إليه المخلوق فليعلق القلب بالله وليثق به، فهو الناصر بسبب وبغير سبب، " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [يس: 82] (3). لكن أخبر بذلك ليمتثل الخلق ما أمرهم به من الأسباب التي قد خلت من قبل، " ولن تجد لسنة الله تبديلا " [الأحزاب: 62] (4)، ولا يقدح ذلك في التوكل.
وهو رد على من قال: إن الأسباب إنما سنت في حق الضعفاء لا للأقوياء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا الأقوياء وغيرهم هم الضعفاء، وهذا واضح. و " مد " في الشر و " أمد " في الخير. وقد تقدم في البقرة (5). وقرأ أبو حياة " منزلين " بكسر الزاي مخففا، يعني منزلين النصر. وقرأ ابن عامر مشددة الزاي مفتوحة على التكثير. ثم قال: (بلى) وتم الكلام. " إن تصبروا " شرط، أي على لقاء العدو. (وتتقوا) عطف عليه، أي معصيته.
والجواب " يمدكم ". ومعنى " من فورهم " من وجههم. هذا عن عكرمة وقتادة والحسن