وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل). وروي عن ابن مسعود أنه قال: اعتبروا الناس بإخوانهم.
ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: (لا يألونكم خبالا) يقول فسادا.
يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة، على ما يأتي بيانه. وروي (1) عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا " قال: (هم الخوارج). وروى أن أبا موسى الأشعري استكتب ذميا فكتب إليه عمر يعنفه وتلا عليه هذه الآية. وقدم أبو موسى الأشعري على عمر رضي الله عنهما بحساب فرفعه إلى عمر فأعجبه، وجاء عمر كتاب فقال لأبي موسى: أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال: إنه لا يدخل المسجد. فقال لم! أجنب هو؟ قال: إنه نصراني، فانتهره وقال: لا تدنهم وقد أقصاهم الله، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله، ولا تأمنهم وقد خونهم الله. وعن عمر رضي الله عنه قال:
لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرشا، (2) واستعينوا على أموركم وعلى رعيتكم بالذين يخشون الله تعالى. وقيل لعمر رضي الله عنه: إن ههنا رجلا من نصارى الحيرة لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم أفلا يكتب عنك؟ فقال: لا آخذ (3) بطانة من دون المؤمنين. فلا يجوز استكتاب أهل الذمة، ولا غير ذلك من تصرفاتهم في البيع والشراء والاستنابة إليهم.
قلت: وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والامراء. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى) (4). وروى أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا في خواتيمكم غريبا ". فسره الحسن بن أبي الحسن فقال: أراد عليه