ويعرف أيضا أهل عصره، ممن هو في طبقته أو يدانيه في صناعته، عجزهم عنه، فلا يحتاج إلى التحدي حتى يعلم به كونه معجزا.
ولو كان أهل الصنعة الذين صفتهم ما بينا لا يعرفون كونه معجزا حتى يعرفوا عجز غيرهم عنه - لم يجز أن يعرف النبي صلى الله عليه وسلم، أن القرآن معجز حتى يرى عجز قريش عنه بعد التحدي إليه، وإذا عرف عجز قريش لم يعرف عجز سائر العرب عنه حتى ينتهى إلى التحدي إلى أقصاهم، وحتى يعرف عجز مسيلمة الكذاب عنه، ثم يعرف حينئذ كونه معجزا.
وهذا القول - إن قيل - أفحش ما يكون من الخطأ!!
/ فيجب أن تكون منزلة أهل الصنعة في معرفة إعجاز القرآن بأنفسهم منزلة من رأى اليد البيضاء وفلق البحر، بأن ذلك معجز.
وأما من لم يكن من أهل الصنعة، فلا بد له من مرتبة قبل هذه المرتبة، يعرف بها كونه معجزا، فيساوى حينئذ أهل الصنعة، فيكون استدلالها في تلك الحالة به على صدق من ظهر ذلك عليه على سواء (1)، إذا ادعاه - دلالة على نبوته وبرهانا على صدقه. فأما من قدر أن القرآن لا يصير معجزا إلا بالتحدي إليه، فهو كتقدير من ظن أن جميع آيات موسى وعيسى، عليهما السلام، ليست بآيات حتى التحدي إليها والحض عليها، ثم يقع العجز عنها، فيعلم حينئذ أنها معجزات (2).
وقد سلف من كلامنا في هذا المعنى ما يغنى عن الإعادة.
ويبين ما ذكرناه في غير البليغ: أن الأعجمي الآن لا يعرف إعجاز القرآن إلا بأمور زائدة على الأعجمي الذي كان في ذلك الزمان مشاهدا له، لان من هو من أهل العصر يحتاج أن يعرف أو لا أن العرب عجزوا عنه، وإنما يعلم عجزهم عنه بنقل الناقلة إليه أن (3) النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى العرب إليه فعجزوا عنه، ويحتاج في النقل إلى شروط، وليس يصير القرآن بهذا النقل