فجزاك (1) الله عن الاسلام وعن رسوله خيرا، كنت عنده بمنزلة السمع والبصر.
صدقت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين كذبه الناس، فسماك في تنزيله صديقا، فقال: (والذي جاء بالصدق وصدق به) (2).
واسيته حين بخلوا، وقمت معه عند المكاره حين قعدوا، وصحبته في الشدائد أكرم الصحبة، ثاني اثنين وصاحبه (3) في الغار، والمنزل عليه السكينة والوقار، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وفى أمته - أحسن الخلافة - حين ارتد الناس، فنهضت حين وهن أصحابك، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، وقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا (4)، مضيت بنور إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا.
/ وكنت أصوبهم منطقا، وأطولهم صمتا، وأبلغهم قولا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم نفسا، وأعرفهم بالأمور، وأشرفهم عملا.
كنت للدين يعسوبا (5)، أولا: حين نفر عنه الناس، وآخرا:
حين قفلوا (6)، وكنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما ضعفوا عنه (7)، ورعيت ما أهملوا، وحفظت ما أضاعوا، شمرت إذ خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، وراجعوا رشدهم برأيك فظفروا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.
وكنت كما قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم أمن الناس عليه في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال: ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، جليلا في أعين الناس (8)، كبيرا في أنفسهم.