ولعل أحدهما إنما يلحظ غبار (1) صاحبه، ويطالع ضياء نجمه، ويراعى خفوق (2) جناحه وهو راكد في موضعه، ولا يضر البحتري ظنه، ولا يلحقه بشأوه وهمه (3).
فإن اشتبه على متأدب أو متشاعر أو ناشئ أو مرمد، فصاحة القرآن وموقع بلاغته، وعجيب براعته - فما عليك منه، إنما يخبر عن نقصه (4)، ويدل على عجزه، ويبين عن جهله، ويصرح (5) بسخافة فهمه، وركاكة عقله.
وإنما قدمنا (6) ما قدمناه في هذا الفصل، لتعرف أن ما ادعيناه من معرفة البليغ بعلو شأن القرآن وعجيب نظمه وبديع تأليفه، أمر لا يجوز غيره، ولا يحتمل سواه، ولا يشتبه على ذي بصيرة، ولا يخيل عند (7) أخي معرفة، كما يعرف الفصل بين طبائع (8) الشعراء / من أهل الجاهلية، وبين المخضرمين، وبين المحدثين، ويميز بين من يجرى على شاكلة طبعه وغريزة نفسه، وبين من يشتغل بالتكلف والتصنع، وبين من يصير التكلف له كالمطبوع، وبين من كان مطبوعه كالمتعمل (9) المصنوع.
هيهات هيهات!! هذا أمر - وإن دق - فله قوم يقتلون علما، وأهل يحيطون به فهما، ويعرفونه (10) إليك إن شئت، ويصورونه لديك إن أردت، ويجلونه على خواطرك إن أحببت، ويعرفونه لفطنتك إن حاولت، وقد قال القائل:
للحرب والضرب أقوام لها خلقوا * وللدواوين كتاب وحساب ولكل عمل رجال، ولكل صنعة ناس، وفى كل فرقة الجاهل والعالم والمتوسط، ولكل قد قل من يميز في هذا الفن خاصة، وذهب من يحصل في هذا الشأن، إلا قليلا!
فإن كنت ممن هو بالصفة التي وصفناها - من التناهى في معرفة الفصاحات،