/ وهذا طريق لا يتعذر، وباب لا يمتنع، وكل يأخذ فيه مأخذا ويقف منه موقفا (1)، على قدر ما معه من المعرفة، وبحسب ما يمده من الطبع.
فأما شأو نظم القرآن، فليس له مثال يحتذى عليه (2) ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا، كما يتفق للشاعر البيت النادر، والكلمة الشاردة، والمعنى الفذ الغريب، والشئ القليل العجيب، وكما يلحق من كلامه (3)، بالوحشيات، ويضاف من قوله إلى الأوابد، لان ما جرى هذا المجرى ووقع هذا الموقع، فإنما يتفق للشاعر في لمع من شعره، وللكاتب في قليل من رسائله، وللخطيب في يسير من خطبه. ولو كان كل شعره نادرا، ومثلا سائرا، ومعنى بديعا، ولفظا رشيقا، وكل كلامه مملوءا من رونقه ومائه، ومحلى (4) ببهجته وحسن روائه، ولم يقع فيه المتوسط بين الكلامين، والمتردد بين الطرفين، ولا البارد (5) المستثقل، والغث المستنكر - لم يبن الاعجاز في الكلام، ولم يظهر (6) التفاوت العجيب بين النظام والنظام.
/ وهذه جملة تحتاج إلى تفصيل (7)، ومبهم قد يحتاج في بعضه إلى تفسير (7).
وسنذكر ذلك بمشيئة الله وعونه.
ولكن قد يمكن أن يقال في البديع الذي حكيناه وأضفناه إليهم: إن ذلك باب من أبواب البراعة، وجنس من أجناس البلاغة، وإنه لا ينفك القرآن عن فن من فنون بلاغاتهم، ولا وجه من وجوه فصاحاتهم، وإذا (8) أورد هذا المورد، ووضع هذا الموضع - كان جديرا.
وإنما لم نطلق القول إطلاقا، لأنا لا نجعل الاعجاز متعلقا بهذه الوجوه الخاصة ووقفا عليها، ومضافا إليها، وإن صح أن تكون هذه الوجوه مؤثرة في الجملة، آخذة بحظها من الحسن والبهجة، متى وقعت في الكلام على غير وجه التكلف المستبشع والتعمل المستشنع.