وكأن هؤلاء الذين قرأوا قوله: مودة نصبا وجهوا معنى الكلام إلى: إنما اتخذتم أيها القوم أوثانا مودة بينكم، فجعلوا إنما حرفا واحدا، وأوقعوا قوله اتخذتم على الأوثان، فنصبوها بمعنى: اتخذتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا، تتحابون على عبادتها، وتتوادون على خدمتها، فتتواصلون عليها. وقرأ ذلك بعض قراء أهل مكة والبصرة: مودة بينكم برفع المودة وإضافتها إلى البين، وخفض البين. وكأن الذين قرأوا ذلك كذلك، جعلوا إن ما حرفين، بتأويل: إن الذين اتخذتم من دون الله أوثانا إنما هو مودتكم للدنيا، فرفعوا مودة على خبر إن. وقد يجوز أن يكونوا على قراءتهم ذلك رفعا بقوله إنما أن تكون حرفا واحدا، ويكون الخبر متناهيا عند قوله إنما اتخذتم من دون الله أوثانا ثم يبتدئ الخبر فيقال: ما مودتكم تلك الأوثان بنافعتكم، إنما مودة بينكم في حياتكم الدنيا، ثم هي منقطعة، وإذا أريد هذا المعنى كانت المودة مرفوعة بالصفة بقوله في الحياة الدنيا وقد يجوز أن يكونوا أرادوا برفع المودة، رفعها على ضمير هي.
وهذه القراءات الثلاث متقاربات المعاني، لان الذين اتخذوا الأوثان آلهة يعبدونها، اتخذوها مودة بينهم، وكانت لهم في الحياة الدنيا مودة، ثم هي عنهم منقطعة، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معاني ذلك، وشهرة القراءة بكل واحد ة منهن في قراء الأمصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
21113 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضا قال: صارت كل خلة في الدنيا عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين.
وقوله: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض، ويلعن بعضكم بعضا يقول تعالى ذكره: ثم يوم القيامة أيها المتوادون على عبادة الأوثان والأصنام، والمتواصلون على خدماتها عند ورودكم على ربكم، ومعاينتكم ما أعد الله لكم على التواصل، والتواد في الدنيا من ألم العذاب يكفر بعضكم ببعض يقول: يتبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضا.
وقوله: ومأواكم النار يقول جل ثناؤه: ومصير جميعكم أيها العابدون الأوثان وما تعبدون النار وما لكم من ناصرين يقول: وما لكم أيها القوم المتخذو الآلهة، من