يقول تعالى ذكره: فأما من تاب من المشركين، فأناب وراجع الحق، وأخلص لله الألوهة، وأفرد له العبادة، فلم يشرك في عبادته شيئا وآمن يقول: وصدق بنبيه محمد (ص). وعمل صالحا يقول: وعمل بما أمره الله بعمله في كتابه، وعلى لسان رسوله (ص)، فعسى أن يكون من المفلحين. يقول: فهو من المنجحين المدركين طلبتهم عند الله، الخالدين في جنانه، وعسى من الله واجب. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) *.
يقول تعالى ذكره: وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار لولايته الخيرة من خلقه، ومن سبقت له منه السعادة. وإنما قال جل ثناؤه ويختار ما كان لهم الخيرة والمعنى: ما وصفت، لان المشركين كانوا فيما ذكر عنهم يختارون أموالهم، فيجعلونها لآلهتهم، فقال الله لنبيه محمد (ص): وربك يا محمد يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار للهداية والايمان والعمل الصالح من خلقه، ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختياري لنفسي. واجتبائي لولايتي، واصطفائي لخدمتي وطاعتي، خيار مملكتي وخلقي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
20992 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة قال:
كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية.
فإذا كان معنى ذلك كذلك، فلا شك أن ما من قوله: ويختار ما كان لهم الخيرة في موضع نصب، بوقوع يختار عليها، وأنها بمعنى الذي.
فإن قال قائل: فإن كان الامر كما وصفت، من أن ما اسم منصوب بوقوع قوله يختار عليها، فأين خبر كان؟ فقد علمت أن ذلك إذا كان كما قلت، أن في كان ذكرا من ما، ولا بد لكان إذا كان كذلك من تمام، وأين التمام؟ قيل: إن العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الاخبار بعدها أحيانا، أخبارا، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها. ذكر الفراء أن القاسم بن معن أنشده قول عنترة: