* (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين) *.
يقول تعالى ذكره: وكم أهلكنا من قرية أبطرتها معيشتها، فبطرت، وأشرت، وطغت، فكفرت ربها. وقيل: بطرت معيشتها، فجعل الفعل للقرية، وهو في الأصل للمعيشة، كما يقال: أسفهك رأيك فسفهته، وأبطرك مالك فبطرته، والمعيشة منصوبة على التفسير.
وقد بينا نظائر ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
20978 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها قال: البطر: أشر أهل الغفلة وأهل الباطل والركوب لمعاصي الله، وقال: ذلك البطر في النعمة فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا يقول: فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم ومنازلهم، لم تسكن من بعدهم إلا قليلا، يقول: خربت من بعدهم، فلم يعمر منها إلا أقلها، وأكثرها خراب. ولفظ الكلام وإن كان خارجا على أن مساكنهم قد سكنت قليلا، فإن معناه: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا منها، كما يقال: قضيت حقك إلا قليلا منه.
وقوله: وكنا نحن الوارثين يقول: ولم يكن لما خربنا من مساكنهم منهم وارث، وعادت كما كانت قبل سكناهم فيها، لا مالك لها إلا الله، الذي له ميراث السماوات والأرض. القول في تأويل قوله تعالى:
* (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون) *.
يقول تعالى ذكره: وما كان ربك يا محمد مهلك القرى التي حوالي مكة في زمانك وعصرك. حتى يبعث في أمها رسولا يقول: حتى يبعث في مكة رسولا، وهي أم القرى، يتلو عليهم آيات كتابنا، والرسول: محمد (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: