ولكنهم يجهلون ذلك، فيحسبون أنهم ينفعونهم ويقربونهم إلى الله زلفى. القول في تأويل قوله تعالى:
* (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم ئ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) *.
اختلف القراء في قراءة قوله: إن الله يعلم ما يدعون فقرأته عامة قراء الأمصار تدعون بالتاء بمعنى الخطاب لمشركي قريش إن الله أيها الناس يعلم ما تدعون إليه من دونه من شئ. وقرأ ذلك أبو عمرو: إن الله يعلم ما يدعون بالياء بمعنى الخبر عن الأمم، إن الله يعلم ما يدعو هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم من دونه من شئ.
والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءة من قرأ بالتاء، لان ذلك لو كان خبرا عن الأمم الذين ذكر الله أنه أهلكهم، لكان الكلام: إن الله يعلم ما كانوا يدعون، لان القوم في حال نزول هذا الخبر على نبي الله لم يكونوا موجودين، إذ كانوا قد هلكوا فبادوا، وإنما يقال: إن الله يعلم ما تدعون إذا أريد به الخبر عن موجودين، لا عمن قد هلك.
فتأويل الكلام إذ كان الامر كما وصفنا: إن الله يعلم أيها القوم حال ما تعبدون من دونه من شئ، وأن ذلك لا ينفعكم ولا يضركم، إن أراد الله بكم سوءا، ولا يغني عنكم شيئا وإن مثله في قلة غنائه عنكم، مثل بيت العنكبوت في غنائه عنها.
وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول: والله العزيز في انتقامه ممن كفر به، وأشرك في عبادته معه غيره فاتقوا أيها المشركون به عقابه بالايمان به قبل نزوله بكم، كما نزل بالأمم الذين قص الله قصصهم في هذه السورة عليكم، فإنه إن نزل بكم عقابه لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه أولياء، كما لم يغن عنهم من قبلكم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دونه، الحكيم في تدبيره خلقه، فمهلك من استوجب الهلاك في الحال التي هلاكه صلاح، والمؤخر من أخر هلاكه من كفرة خلقه به إلى الحين الذي في هلاكه الصلاح.
وقوله: وتلك الأمثال نضربها للناس يقول تعالى ذكره: وهذه الأمثال، وهي الأشباه والنظائر نضربها للناس يقول: نمثلها ونشبهها ونحتج بها للناس، كما قال الأعشى: