في مكة ولم تتهيأ له أية دراسة لأساطير الأولين، أو كتب العهدين: التوراة والإنجيل، ولم يخرج من المنطقة الا مرتين، سافر فيهما إلى الشام، إحداهما: في طفولته مع عمه لقي فيها بحيرا، وهو ابن تسع سنين، فقال هذا الراهب لعمه:
" سيكون لابن أخيك هذا شأن عظيم " (١). والاخرى: في تجارة خديجة وهو شاب وكان بصحبته ميسرة غلام خديجة، ولم يتجاوز (صلى الله عليه وآله) سوى مدينة بصرى، في كلتا الرحلتين القصيرتين، فأين تأتى للنبي ان يدرس التوراة أو يكتب أساطير الأولين؟!
والحقيقة ان مقارنة القصص التي جاءت في القرآن الكريم بالعهد القديم تؤكد التحدي، إذ تبرز اعجاز القرآن بصورة أوضح، لان التوراة التي شهد القرآن بتحريفها كانت قصصها وأحاديثها - عن ماضي الأمم وأحداثها - مشحونة بالخرافات والأساطير وما يسئ إلى كرامة الأنبياء، ويبتعد بالقصة عن اهداف التبليغ والدعوة، بينما نجد قصص تلك الأمم في القرآن، قد نقيت من تلك العناصر الغريبة، وأبرزت فيها الجوانب التي تتصل بأهداف التبليغ، واستعرضت بوصفها عظة وعبرة لا مجرد تجميع أعمى للمعلومات.
وكما كان القرآن محيطا بالماضي، كذلك كان محيطا بالمستقبل، فكم من خبر مستقبل كشف القرآن حجابه فتحقق وفقا لما أخبر به، ورآه المشركون، ومن هذا القبيل أخبار القرآن بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين، إذ قال تعالى:
﴿غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين...﴾ (2).
وقد أخبر القرآن بذلك على أعقاب هزيمة فضيعة مني بها الروم، وانتصار