وعلى هذا الأساس يجب أن لا نسرع إلى الحكم بالتعارض بين روايتين تتحدثان عن أسباب النزول إذا ذكرت كل منهما سببا لنزول آية يغاير السبب الذي ذكرته الرواية الأخرى لنزول نفس تلك الآية، أو إذا تحدثت الروايتان عن سبب واحد فذكرت كل منهما نزول آية بذلك السبب غير الآية التي ربطتها الرواية الأخرى به لان من الممكن في بعض الموارد فهم الاختلاف بين الروايتين والتوفيق بينهما على أساس امكان تعدد سبب النزول لاية واحدة أو تعدد الآيات النازلة بسبب واحد فلا يوجد بين الروايتين تعارض على هذا الأساس.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:
إذا نزلت الآية بسبب خاص، وكان اللفظ فيها عاما فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا يتقيد بالمدلول القرآني في نطاق السبب الخاص للنزول أو الواقعة التي نزلت الآية بشأنها، بل يؤخذ به على عمومه، لان سبب النزول يقوم بدور الإشارة لا التخصيص، وقد جرت عادة القرآن أن ينزل بعض احكامه وتعليماته وارشاداته على اثر وقائع واحداث تقع في حياة الناس وتتطلب حكما وتعليما من الله، لكي يجئ البيان القرآني أبلغ تأثيرا وأشد أهمية في نظر المسلمين وان كان مضمونه عاما شاملا، فآية اللعان مثلا تشرع حكما شرعيا عاما لكل زوج يتهم زوجته بالخيانة وان نزلت في شأن هلال بن أمية، وآية الظهار تبين حكم الظهار بصورة عامة وان كان نزولها بسبب سلمة بن صخر.
وعلى هذا الأساس اتفق علماء الأصول على أن المتبع هو مدى عموم النص القرآني وشمول اللفظ فيه، وأن سبب النزول مجرد سبب مثير لنزول الحكم العام وليس تحديدا له في نطاقه الخاص، لان مجرد نزول حكم اللعان عقيب قصة هلال ابن أمية مثلا لا يدل اطلاقا على أن الحكم يختص به، ولا يبطل عموم اللفظ