ويدركون كل ما يدل عليه اللفظ القرآني من احكام ومفاهيم، لان كون الشخص من أبناء لغة معينة لا يعني اطلاعه عليها اطلاعا شاملا، واستيعابه لمفرداتها وأساليبها في التعبير، وفنونها في القول، وانما يعني فهمه للغة بالقدر الذي يدخل في حياته الاعتيادية.
ومن ناحية أخرى لا يتوقف فهم الكلام واستيعابه على المعلومات اللغوية فحسب، بل يتوقف إضافة إلى ذلك على استعداد فكري خاص، ومران عقلي يتناسب مع مستوى الكلام، ونوع المعاني التي سيق لبيانها، وإذا كان العرب - وقتئذ - يعيشون حياة جاهلية من القاعدة إلى القمة، ويعبرون عن تراث جاهلي سيطر على مختلف شؤون حياتهم قرونا عديدة فمن الطبيعي ان لا يتيسر لهم حين الدخول في الاسلام - بصورة تلقائية - الارتفاع ذهنيا وروحيا إلى المستوى الذي يتيح لهم استيعاب مدلولات اللفظ القرآني، ومعاني الكتاب الكريم الذي جاء لهدم الحياة الجاهلية ويقوض أسسها، ويبني الانسان من جديد.
ومن ناحية ثالثة نحن نعرف أن عملية فهم القرآن الكريم لا يكفي فيها النظر إلى جملة قرآنية أو مقطع قرآني، بل كثيرا ما يحتاج فهم هذا المقطع أو تلك الجملة إلى مقارنة بغيره، مما جاء في الكتاب الكريم أو إلى تحديد الظروف والملابسات، وهذه الدراسة المقارنة لها قريحتها، وشروطها الفكرية الخاصة، وراء الفهم اللغوي الساذج، وهكذا نعرف ان طبيعة الأشياء تدل على أن العرب المعاصرين لنزول القرآن كانوا يفهمون القرآن فهما اجماليا، وأنهم لم يكونوا على وجه العموم يفهمونه بصورة تلقائية، فهما تفصيليا يستوعب مفرداته وتراكيبه.
الشواهد على عدم توفر الفهم التفصيلي:
وهذا الذي تدل عليه طبيعة الأشياء أكدته أحاديث ووقائع كثيرة، دلت على