ومن هنا يأتي تأكيد قصة إبراهيم في بناء الكعبة التي جاءت في عدة موارد من القرآن الكريم، وندائه بالحج، وذلك للموقع الخاص الذي كانت تحتله الكعبة بين العرب عامة، وللقرار الذي كان القرآن قد اتخذه بجعل الكعبة قبلة للمسلمين، تأكيدا لاستقلالية الرسالة في كل معالمها لان صرف الانظار عن الأرض المقدسة وبيت المقدس الذي كان يحظى بالقدسية الخاصة - وما زال - بسبب نشوء الديانات المختلفة فيه، ووجود إبراهيم وأنبياء بني إسرائيل كلهم في هذه الأرض يحتاج إلى اعطاء هذه الأهمية للبيت والكعبة المشرفة وهذا الانتساب الأصيل إلى إبراهيم (عليه السلام).
أهمية تأكيد دور موسى (عليه السلام):
وأما النبي موسى (عليه السلام) فان موقعه من الديانة اليهودية والشعب الإسرائيلي والانجاز السياسي والاجتماعي الذي حققه لهم، وكذلك ما تحقق من خلال التوراة من تشريع وحكمة وقانون، إضافة إلى معاناته الطويلة التي تشبه معاناة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سواء تجاه الطغاة الفراعنة أم المنافقين من الإسرائيليين، أم في توطيد دعائم الحكم الإلهي في الأرض، وموقعه من الديانتين اليهودية والنصرانية، لان النصرانية أيضا كانت تعترف بالتوراة القائمة (العهد القديم) كل هذه الأمور كانت تفرض هذا اللون من التأكيد.
ونجد ملامح الظروف الموضوعية القائمة التي كانت تواجهها الرسالة والقرآن الكريم في موطن نزوله، والمجتمع الذي يعمل على تغييره موجودة في كل هذه الأمور المرتبطة بهذين النبيين العظيمين، لان القرآن كان يعايش ويتفاعل باستمرار مع أهل الكتاب وعلمائهم وأقوامهم، وكان بحاجة إلى هذه التفاصيل، والحديث - أحيانا - حتى عن الحياة الشخصية لموسى (عليه السلام)، لما في ذلك من التأثير في أوساطهم.