كل واحدة منها دليلا على إعجاز القرآن:
1 - ان القرآن شع على العالم من جزيرة العرب، ومن مكة بصورة خاصة، وهي منطقة لم تمارس أي لون من ألوان الحضارة والمدنية، التي مارستها مختلف المجتمعات الراقية نسبيا يومئذ، وكانت هذه أولى المفارقات التي برهنت على أن الكتاب لم يجر وفق القوانين الطبيعية الاعتيادية، لان هذه القوانين التجريبية تحكم بأن الكتاب مرآة لثقافة عصره ومجتمعه، الذي عاشه صاحب الكتاب، وتثقف فيه، فهو يعبر عن مستوى من مستويات الثقافة في ذلك المجتمع، أو يعبر على أفضل تقدير عن خطوة إلى الامام في تلك الثقافة، وأما ان يطفر الكتاب طفرة كبيرة جدا، ويأتي - بدون سابق مقدمات وبلا ارهاصات - بثقافة من نوع آخر لا تمت إلى الأفكار السائدة بصلة ولا تستلهمها، وانما تقلبها رأسا على عقب، فهذا ما لا يتفق مع طبيعة الأشياء في حدود التجربة التي عاشها الناس في كل عصر.
وهذا ما وقع للقرآن تماما فإنه اختار أكثر المناطق والمجتمعات تأخرا وبدائية، وضيق أفق، وبعدا عن التيارات الفلسفية والعلمية، ليفاجئ العالم بثقافة جديدة، كان العالم كله بحاجة إليها، وليثبت أنه ليس تعبيرا عن الفكر السائد في مجتمعه، ولا خطوة محدودة إلى الامام، وانما هو شئ جديد بدون سابق مقدمات.
وهكذا نعرف أن اختيار البيئة والمجتمع، كان هو التحدي الأول للقوانين الطبيعية التي تقتضي ان تولد الثقافة الجديدة في ارقى البيئات من الناحية الفكرية والاجتماعية.
2 - إن القرآن بشر به النبي، وأعلنه على العالم فرد من أفراد المجتمع المكي، ممن لم ينل ما يناله حتى المكيون من ألوان التعلم والتثقيف، فهو أمي، لا يقرأ ولا يكتب، وقد عاش بين قومه أربعين سنة فلم تؤثر عنه طيلة هذه المدة محاولة تعلم أو إثارة من علم أو أدب، كما أشار القرآن إلى ذلك: