علميا فهو كان يواكب تطور الدعوة الاسلامية ومسيرتها في آياته ونزوله، وحين اختلفت طبيعة الموقف، وأصبحت الأفكار المواجهة تمتاز بكثير من التعقيد والتزييف والانحراف - كما هو الحال في عقائد أهل الكتاب - اقتضى الموقف مواجهتها، بأسلوب آخر من البرهان والدليل أكثر تعقيدا وتفصيلا (1).
الفروق الحقيقية بين المكي والمدني:
ولم نجد في الشبهات التي تناولناها - ولا نجد في غيرها - ما يمكنه ان يصمد أمام النقد العلمي أو الدرس الموضوعي، ولكن مع كل ذلك يجدر بنا أن نقدم تفسيرا منطقيا لظاهرة الفرق بين القسم المكي والقسم المدني، وان كنا قد ألمحنا إلى جانب من هذا التفسير عندما تناولنا الشبهات بالنقد والمناقشة.
ويحسن بنا - قبل ذلك - ان نذكر الفروق الحقيقية التي امتاز بها المكي عن المدني سواء ما يتعلق بالأسلوب أو بالموضوع الذي تناوله القرآن، ثم نفسر هذه الفروق على أساس الفكرة التي أشرنا إليها في صدر البحث، والتي تقول: إن هذه الفروق كانت نتيجة لمراعاة ظروف الدعوة والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، لان الهدف والغاية يلقيان - في كثير من الأحيان - بظلمهما على أسلوب العرض والمادة المعروضة.
وتلخص هذه الفروق والخصائص التي يمتاز بها المكي عن المدني غالبا بالأمور التالية (2):
1 - ان القسم المكي عالج بشكل أساسي مبادئ الشرك والوثنية، وأسسها النفسية والفكرية، ومؤداها الأخلاقي والاجتماعي.