كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن وان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمعذق وانه ليعلو وما يعلى " (١) ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش: صبا والله الوليد والله ليصبأن قريش كلهم، فقال أبو جهل: انا أكفيكموه، فانطلق فقعد إلى جانب الوليد حزينا، فقال له الوليد مالي أراك حزينا يابن أخي؟ فقال له: هذه قريش يصيبونك على كبر سنك، ويزعمون انك زينت كلام محمد، فقام الوليد مع أبي جهل حتى اتى مجلس قومه، فقال لهم: تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق قط؟! فقالوا: اللهم لا، فقال: تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك؟! قالوا: اللهم لا، فقال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟! قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟! فقالوا: اللهم لا، فما هو اذن؟ فغرق الوليد في الفكر ثم قال: ما هو الا ساحر! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فنزل قوله تعالى: ﴿انه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم ادبر واستكبر * فقال إن هذا الا سحر يؤثر﴾ (2).
وقد افترض بعض العرب - في تبرير هذه الحيرة - امام تحدي القرآن لهم بنزوله على شخص أمي ان يكون أحد من البشر قد علم النبي القرآن، ولم يجرؤا وهم الأميون على دعوى تعلمه من أحد منهم، فقد ادركوا بالفطرة أن الجاهل لا يعلم الناس شيئا، وانما زعموا أن غلاما روميا أعجميا نصرانيا، يشتغل في مكة قينا (حدادا) يصنع السيوف، هو الذي علم النبي القرآن، وكان ذلك الغلام على عاميته يعرف القراءة والكتابة، وقد تحدث القرآن الكريم عن افتراض العرب هذا، ورد عليه ردا بديهيا قال تعالى: (... لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا