ويمكن ان تناقش هذه الشبهة - إضافة إلى ما أشرنا إليه من أن الدليل على اعجاز القرآن لا يختص بالجانب البلاغي - بأسلوبين رئيسين:
الأول: ملاحقة الأمثلة والتفصيلات التي تسردها الشبهة وبيان انطباقها مع القواعد العربية المختلفة وانسجامها معها، وملاحظة مختلف القراءات القرآنية التي يتفق الكثير منها مع هذه القواعد، بالشكل الذي لا يبقى مجالا لورود الشبهة عليها، وقد قام العلامة الشيخ محمد جواد البلاغي بجانب من ذلك (1)، كما يمكن ان نعرف ذلك من خلال مراجعة الكتب التفسيرية التي تناولت هذا الجانب مثل كتاب مجمع البيان للشيخ الطبرسي والكشاف للزمخشري.
الثاني: مناقشة أصل الفكرة التي تقوم عليها الشبهة ومدى امكان الاعتماد عليها في الطعن باعجاز القرآن، وهذا ما سوف نقوم به في هذا البحث وذلك بملاحظة الامرين التاليين:
أ - إن تأسيس قواعد اللغة العربية كان في وقت متأخر عن نزول القرآن الكريم وفي العصور الأولى للدول الاسلامية، بعد أن ظهرت الحاجة إليها بسبب التوسع الاسلامي الذي ادى إلى اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب، وقد كان الهدف الرئيس لوضع هذه القواعد هو الحفاظ على النص القرآني ولغته، وقد اتبعت في استكشاف هذه القواعد طريقة ملاحظة النصوص العربية الواردة قبل هذا الاختلاط أو التي لم تتأثر به.
فلم تكن عملية وضع القواعد عملية تأسيس واختراع من قبل واضعي اللغة العربية، وانما هي عملية استكشاف لما كان العرب يتبعه من أساليب في البيان والنطق خلال كلامهم، ولذا كان الكلام العربي الأصيل هو الذي يتحكم في صياغة القاعدة وتفصيلاتها.