فهذه قضايا وقعت في عصر الوحي، وكانت داعية إلى نزول الوحي بشأنها، فكانت لأجل ذلك من أسباب النزول.
ويلاحظ في ضوء ما قدمناه من تعريف لأسباب النزول أن احداث الأمم الماضية التي يستعرضها القرآن الكريم ليست من أسباب النزول، لأنها قضايا تأريخية سابقة على عصر الوحي وليست أمورا وقعت في عصر الوحي واقتضت نزول القرآن بشأنها، فلا يمكن ان نعتبر حياة يوسف وتآمر اخوته عليه ونجاته وتمكنه منهم سببا لنزول سورة يوسف، وهكذا سائر المقاطع القرآنية التي تتحدث عن الأنبياء الماضين وأممهم فإنها في الغالب تندرج في القسم الأول من القرآن الذي نزل بصورة ابتدائية ولم يرتبط بأسباب نزول معينة.
الفائدة من معرفة السبب:
ولمعرفة أسباب النزول أثر كبير في فهم الآية وتعرف اسرار التعبير فيها، لان النص القرآني المرتبط بسبب معين للنزول تجئ صياغته وطريقة التعبير فيه وفقا لما يقتضيه ذلك السبب، فما لم يعرف ويحدد قد تبقى أسرار الصياغة والتعبير غامضة عنه، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما...﴾ (1) فان الآية ركزت على نفي الاثم والحرمة عن السعي بين الصفا والمروة دون أن تصرح بوجوب ذلك، فلماذا اكتفت بنفي الحرمة دون أن تعلن وجوب السعي؟
إن الجواب عن هذا السؤال يمكن معرفته عن طريق ما ورد في سبب نزول الآية من أن بعض الصحابة تأثموا من السعي بين الصفا والمروة، لأنه من عمل الجاهلية فنزلت الآية الكريمة، فهي اذن بصدد نفي هذه الفكرة من أذهان الصحابة