تأريخية واقعية.
الثاني: ان هذه الكتب ما زالت تتداولها أمم هؤلاء الأنبياء وهم بطبيعة ارتباطهم الديني والاجتماعي بأنبيائهم لا بد وان يكونوا أدق اطلاعا على أحوالهم من القرآن الذي جاء في أمة ومجتمع منفصل عن تأريخ هؤلاء الأنبياء.
وهذه الشبهة - كسابقتها - لا يمكن ان تصمد للمناقشة إذا عرفنا أن هذه الكتب الدينية قد تعرضت للتحريف والتزوير - كما سوف نتعرض إلى ذلك في بحث مستقل - وكان أحد أسباب التحريف هو الانفصال التأريخي الذي وقع بين الأنبياء وأممهم، حيث تعرض اليهود - مثلا - إلى الأسر الجماعي ونقلوا إلى بابل وأحرقت جميع الكتب ودمرت جميع المعابد وبقوا على هذا الحال مدة عقود من الزمن حتى أنقذهم كورش الفارسي من ذلك، ويقال بأنهم دونوا التوراة الموجودة على ما تبقى في ذاكرة بعض الاشخاص مما سمعوه من آبائهم، وكذلك الحال بالنسبة إلى المسيحيين، حيث تعرض المسيح لمحاولة الصلب وتفرق الحواريون ودون الإنجيل على ما تبقى في الذاكرة بعد مدة طويلة من هذه الحادثة.
هذا الامر وغيره هو الذي جعلهم غير قادرين على الاحتفاظ الديني بها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن أمم هؤلاء الأنبياء والجماعات التي نزلت فيهم هذه الكتب.
إضافة إلى أن ملاحظة محتوى الخلاف بين القرآن الكريم والكتب الدينية الأخرى يدعونا بنفسه للايمان بصدق القرآن الكريم، بعد أن نجد التوراة والإنجيل يذكران في قصص هؤلاء الأنبياء مجموعة من الخرافات والأوهام يتجاوزها القرآن الكريم، وينسبان إلى الأنبياء أعمالا ومواقف لا يصح نسبتها إليهم ولا تليق برسل الله والقوام على شريعته ودينه، بل لا تليق بمصلحين عاديين من عامة