حرارته يطبق قانونا طبيعيا عرفه الناس عن طريق الحس والتجربة، وهو انتقال الحرارة من الجسم الحار إلى الجسم الذي يجاوره، وأما من ادعى أنه يجعل الماء حارا بدون الاستعانة بأي طاقة حرارية، وحقق ذلك فعلا فهو يتحدى قوانين الطبيعة التي يكشف عنها الحس والتجربة، ومن أبرأ مريضا باعطائه مادة مضادة للميكروب الذي أمرضه، يطبق قانونا طبيعيا يعرفه بالتجربة، وهو ان هذه المادة بطبيعتها تقتل الميكروب الخاص، واما من أبرأ المريض بدون اعطاء اي مادة مضادة فهو يتحدى قوانين الطبيعة التي يعرفها الناس بالتجربة، ويحقق المعجزة.
فإذا أتى النبي بمعجزة من هذا القبيل كانت برهانا على ارتباطه بالله تعالى، وصدقه في دعوى النبوة، لان الانسان بقدرته الاعتيادية لا يمكنه ان يغير في الكون شيئا، الا بالاستفادة من القوانين الكونية التي يعرفها عن طريق الحس والتجربة، فإذا استطاع الفرد أن يحقق تغييرا يتحدى به هذه القوانين، فهو انسان يستمد قدرة استثنائية من الله تعالى، ويرتبط به ارتباطا يميزه عن الآخرين، الامر الذي يفرض علينا تصديقه إذا ادعى النبوة.
الفرق بين المعجزة والابتكار العلمي:
وفي ضوء ما قلناه نعرف أن سبق النوابغ من العلماء في الحقول العلمية، لا يعتبر معجزة، فإذا افترضنا أن شخصا من العلماء اليوم سبق أنداده، ونجح في اكتشاف الورم السرطاني مثلا، والمادة التي تقضي عليه فهو يستطيع بحكم اكتشافه ان يبرئ مريضا من السرطان، بينما يعجز عن ذلك جميع العلماء الآخرين، ولكن عمله هذا ليس معجزة لأنه انما يتحدى جهل العلماء الآخرين بالسر والعلة والدواء، ولا يتحدى القوانين الكونية التي تثبت بالحس والتجربة، بل هو انما استطاع ان يبرئ المريض من السرطان على أساس تجربة فذة قام بها في مختبره