بعضها على مراحل حتى استطاع ان يستأصلها ويجتث جذورها، وقصة تحريم الخمر وتدرج القرآن في الاعلان عنها من أمثلة ذلك، وكذلك الموقف من مختلف قضايا الأخلاق والقتال والشريعة، فلو ان القرآن نزل جملة واحدة بكل احكامه ومعطياته الجديدة لنفر الناس منه، ولما استطاع أن يحقق الانقلاب العظيم الذي أنجزه في التأريخ.
٤ - إن الرسالة الاسلامية كانت تواجه الشبهات والاتهامات والمواقف السياسية والأطروحات الثقافية والاثارات والأسئلة المختلفة من قبل المشركين، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) بحاجة إلى أن يواجه كل ذلك بالموقف والتفسير المناسبين، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بشكل تدريجي، لان طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجية وتحتاج إلى معالجة ميدانية مستمرة، وهذا لعله المراد من سياق قوله تعالى: ﴿ولا يأتوك بمثل الا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا﴾ (1).
نزول القرآن الكريم باللغة العربية:
لقد نزل القرآن الكريم باللغة العربية دون غيرها من اللغات، وهذه الظاهرة قد يكون سببها الميزات التي تختص بها اللغة العربية من بين اللغات الأخرى، مما يجعلها أشرف اللغات وأقدرها على استيعاب أوسع المعاني أو التعبير عنها، كما قد يوحي ذلك بعض النصوص، أو تنتهي إليه دراسات علم اللغات وخصائصها.
ولكن الشئ الذي يمكن ان يستفاد من القرآن الكريم - وكذلك التأمل في هذه الظاهرة - هو تفسيرها على أساس ارتباط هذه الظاهرة - أيضا - بالهدف التغييري الذي أشرنا إليه، ولا ينافي هذا الارتباط شرف اللغة العربية وخصائصها البلاغية.