أما لماذا يؤكد فرعون على نهر النيل خاصة؟ فذلك لأن كل عمران مصر وثروتها وقوتها وتطورها كان يستمد طاقته من النيل، من هنا فإن فرعون كان يدل به، ويفتخر به على موسى.
والتعبير ب تجري من تحتي لا يعني أن نهر النيل يمر من تحت قصري، كما قال ذلك جمع من المفسرين، لأن نهر النيل كان أعظم من أن يمر من تحت قصر فرعون ولو كان المراد أنه يمر بمحاذاة قصره، فإن كثيرا من قصور مصر كانت على هذه الحال، وكان أغلب العمران على حافتي هذا الشط العظيم، بل المراد أن هذا النهر تحت أمري، ونظام تقسيمه على المزارع والمساكن حسب التعليمات التي أريدها.
ثم يضيف: أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين (1) وبهذا يكون قد خص نفسه بافتخارين عظيمين - حكومة مصر، وملك النيل -، وذكر لموسى نقطتي ضعف: الفقر ولكنة اللسان.
هذا في الوقت الذي لم يكن بموسى أية لكنة في اللسان، لأن الله تعالى قد استجاب دعاءه، ورفع عنه عقدة لسانه، لأنه سأل ربه عند البعثة أن: واحلل عقدة من لساني (2)، ومن المسلم أن دعاءه قد استجيب، والقرآن شاهد على ذلك أيضا.
ليس عيبا عدم امتلاك الثروة الكثيرة، والألبسة الفاخرة، والقصور المزينة، والتي تحصل عادة عن طريق ظلم المحرومين والجور عليهم، بل هو فخر وكرامة وسمو.
إن التعبير ب " مهين " لعله إشارة إلى الطبقات الاجتماعية في ذلك الزمان، حيث كانوا يظنون أن الأشراف الأقوياء والأثرياء طبقة متعالية، والكادحين الفقراء