أن قلوب متبعي الهوى تصبح كالظرف المختوم، فلا يدخله شئ، ولا يخرج منه شئ.
ويقف المؤمنون الحقيقيون في الطرف المقابل لهؤلاء، وعنهم تتحدث الآية التالية فتقول: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم.
نعم، لقد خطا هؤلاء الخطوة الأولى بأنفسهم، واستخدموا عقلهم وفطرتهم في هذا المسير، ثم أخذ الله سبحانه بيدهم كما وعدهم من قبل، فزادهم هدى إلى هداهم، وألقى نور الإيمان في قلوبهم، وشرح صدورهم ورزقهم حسن الفكرة والنظر. هذا من الناحية العقائدية.
وأما من الناحية العملية فإنه سبحانه يحيي فيهم روح التقوى، حتى أنهم يشمئزون من الذنب والمعصية، ويعشقون الطاعة والعمل الصالح.
إن هؤلاء يقفون من الناحيتين في الطرف المقابل للمنافقين الذين أشارت إليهم الآية السابقة، فقد طبع على قلوبهم فلا يفقهون شيئا من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يتبعون أهواءهم في العمل، أما المؤمنون فإن هدايتهم تعظم يوما بعد يوم، وتتضاعف تقواهم في مجال العمل.
وتحذر الآية التالية أولئك المستهزئين الذين لا إيمان لهم، فتقول: فهل ينظرون إلا ساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم.
أجل، إن هؤلاء لم يذعنوا للحق حيث كان الإيمان واجبا عليهم، ومفيدا لهم، بل كانوا في طغيانهم يعمهون، وبآيات الله يستهزئون، غير أنهم يوم يرون الحوادث المرعبة وبداية القيامة تهز العالم وتزلزله، يصيبهم الفزع ويظهرون خضوعهم ويؤمنون، ولا ينفعهم يومئذ إيمانهم وخضوعهم.
إن هذه العبارة تشبه تماما أن نقول لإنسان: أتنتظر حتى يشرف بك مرضك على الموت، ولا ينفع حينئذ علاج، ثم تدعو الطبيب وتأتي بالدواء؟ انهض وأسرع إلى المعالجة وتناول الدواء قبل أن تفقد هذه الفرصة، فإن السعي الآن ذو فائدة،