والتفسير الثالث أن المراد: الجوانب العملية للتوحيد، أي: اعلم أن الملجأ والمأوى الوحيد في العالم هو الله تعالى، فالتجئ إليه، ولا تطلب حل معضلاتك إلا منه، ولا تخف سيل المشاكل، ولا تخش كثرة الأعداء.
ولا تنافي بين هذه التفاسير الثلاثة، فمن الممكن أن تجمع في معنى الآية.
وبعد هذه المسألة العقائدية، تعود الآية إلى مسألة التقوى والعفة عن المعصية، فتقول: واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات.
لا يخفى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرتكب ذنبا قط بحكم مقام العصمة، وأمثال هذه التعابير إشارة إلى ترك الأولى، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو إلى أنه قدوة للمسلمين.
وجاء في حديث: أن حذيفة بن اليمان يقول: كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي، فقلت: يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني لساني في النار، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة " (1). وجاء في بعض الروايات أنه كان يستغفر في اليوم سبعين مرة.
إذا كان الآخرون يستغفرون مما ارتكبوا من المعاصي والذنوب، فإن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغفر الله من تلك اللحظة التي شغل فيها عن ذكره، أو أنه ترك فعل الأحسن وفعل الحسن.
وهنا نكتة جديرة بالانتباه، وهي أن الله سبحانه قد شفع للمؤمنين والمؤمنات، وأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستغفر لهم لتسعهم رحمته، ومن هنا يتبين عمق مسألة " الشفاعة " في الدنيا والآخرة، وكذلك تتبين أهمية التوسل وكونه مشروعا.
ويقول سبحانه في ذيل الآية، وكتبيان للعلة والله يعلم متقلبكم ومثواكم فهو يعلم ظاهركم وباطنكم، كتمانكم وعلانيتكم، سركم ونجواكم، بل ويعلم حتى نياتكم، وما توسوس به أنفسكم، ويخطر على أذهانكم، وما يجري في ضمائركم،