الجنة، أما التعبير الثاني، فإنه يوحي باحتقار الكفار الذين خرجوا من ولايته، وعدم الاهتمام بهم.
واستفاد بعض المفسرين من جملة: والنار مثوى لهم - أي محلهم النار - أنهم الآن في النار، لأن الجملة ليست بصيغة الفعل المضارع والمستقبل، وإنما هي تخبر عن الحال.
والحقيقة كذلك، لأن أعمال هؤلاء وأفكارهم نار بحد ذاتها، وهم مبتلون بها، وقد أحاطت بهم جهنم من كل مكان، وإن كان هؤلاء الذين هم كالأنعام في غفلة، كما نقرأ ذلك في الآية (49) من سورة التوبة: وإن جهنم لمحيطة بالكافرين.
وفي بعض آيات القرآن الأخرى شبه أصحاب النار بالأنعام، بل هم أضل منها:
أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (1)، وقد أوردنا في ذيل هذه الآية شرحا مفصلا.
ومن أجل إكمال هذا الهدف تقارن الآية التالية بين مشركي مكة وعبدة الأوثان الماضين، وبعبارة أوضح، فإنها تهددهم تهديدا شديدا، وتؤكد ضمنيا على بعض جرائمهم الشنيعة التي تدل على جواز قتالهم فتقول: وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم.
فلا يظن هؤلاء أن الدنيا مستوسقة لهم إلى درجة أنهم اجترؤوا على إخراج أشرف رسل الله من أقدس المدن، فإن الأمر لا يدوم كذلك، فهم بالقياس إلى قوم عاد وثمود والفراعنة وجيش أبرهة موجودات ضعيفة عاجزة، والله قادر على تدميرهم بكل سهولة، والقضاء عليهم يسير على الله سبحانه.
وجاء في رواية عن ابن عباس: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج من مكة إلى غار ثور، توجه إلى مكة وقال: " أنت أحب البلاد إلى الله، وأنت أحب البلاد إلي، ولولا المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت منك "، فنزلت الآية أعلاه تبشر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)