عقبه لعلهم يرجعون (1).
والطريف أن كل الأديان التي تتحدث عن التوحيد اليوم تستلهم دعوتها وأفكارها من تعليمات إبراهيم (عليه السلام) التوحيدية، وأن ثلاثة من أنبياء الله العظام - وهم موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - من ذريته، وهذا دليل على صدق تنبؤ القرآن في هذا الباب.
صحيح أن أنبياء آخرين قبل إبراهيم (عليه السلام) - كنوح (عليه السلام) - قد حاربوا الشرك والوثنية، ودعوا البشر إلى التوحيد، إلا أن الذي منح هذه الكلمة الاستقرار والثبات، ورفع رايتها في كل مكان، كان إبراهيم (عليه السلام) محطم الأصنام. فهو (عليه السلام) لم يسع لاستمرار خط التوحيد في زمانه وحسب، بل إنه طلب استمرار هذا الأمر من الله سبحانه في أدعيته إذ قال: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام (2).
ثمة تفسير آخر، وهو: إن الضمير في (جعل) يعود إلى الله سبحانه، فيكون معنى الجملة: إن الله سبحانه قد جعل كلمة التوحيد في أسرة إبراهيم.
غير أن رجوع الضمير إلى إبراهيم (عليه السلام) - وهو التفسير الأول يبدو أنسب، لأن الجمل السابقة تتحدث عن إبراهيم، ومن المناسب أن يكون هذا الجزء من جملة أعمال إبراهيم، خاصة وأنه قد أكد على هذا المعنى في آيات عديدة من القرآن الكريم، وإن إبراهيم كان مصرا على أن يبقى بنوه وعقبه على دين الله، كما نقرأ في الآيتين (131)، (132) من سورة البقرة: إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
والتصور بأن (جعل) يعني الخلق، وأنه مختص بالله سبحانه، تصور خاطئ، لأن (الجعل) يطلق على أعمال البشر وغيرهم أيضا، وفي القرآن نماذج كثيرة