وتذكر الآية الأخيرة - من هذه الآيات - هذا المطلب بصراحة أكثر، فتقول:
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا.
أجل.. إنهم عباد الله، مطيعون لأمره، ومسلمون لإرادته، كما ورد ذلك في الآيتين (26)، (27) من سورة الأنبياء: بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.
إن التعبير بكلمة (عباد) في الواقع رد على ظن هؤلاء، لأن الملائكة لو كانت مؤنثا لوجب أن يقول: (عبدات)، لكن ينبغي الانتباه إلى أن العباد تطلق على جمع المذكر وعلى الموجودات التي تخرج عن إطار المذكر والمؤنث كالملائكة، ويشبه ذلك استعمال ضمائر المفرد المذكر في حق الله سبحانه، في حين أنه تعالى فوق كل هذه التقسيمات.
وجدير بالذكر أن كلمة (عباد) قد أضيفت إلى (الرحمن) في هذه الجملة، ويمكن أن يكون هذا التعبير إشارة إلى أن أغلب الملائكة منفذون لرحمة الله، ومدبرون لقوانين عالم الوجود وأنظمته، وكل ذلك رحمة.
لكن لماذا وجدت هذه الخرافة بين عرب الجاهلية؟ ولماذا بقيت ترسباتها إلى الآن في أذهان جماعة من الناس؟ حتى أنهم يرسمون الملائكة ويصورونها على هيئة المرأة والبنت، بل حتى إذا أرادوا أن يرسموا ما يسمى بملك الحرية فإنهم يرسمونه على هيئة امرأة جميلة طويلة الشعر!
يمكن أن يكون هذا الوهم نابعا من أن الملائكة مستورون عن الأنظار، والنساء مستورات كذلك، ويلاحظ هذا المعنى في بعض موارد المؤنث المجازي في لغة العرب، حيث يعتبرون الشمس مؤنثا مجازيا والقمر مذكرا، لأن قرص الشمس مغطى عادة بأمواج نورها فلا سبيل للنظر إليه، بخلاف قرص القمر.
أو أن لطافة الملائكة ورقتها قد سببت أن يعتبروها كالنساء، حيث أن النساء أكثر رقة ولطافة إذا قيست بالرجال.