تنفي علم الغيب الاستقلالي، أما تلك الآيات فتتحدث عن علم الغيب الذي ينال ببركة التعليم الإلهي.
والشاهد على هذا الكلام الآيتان (26) - (27) من سورة الجن: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول.
وقد ذكر بعض المفسرين سبب نزول للآية مورد البحث، فقالوا: إن عب ء المشاكل وضغطها لما زاد على أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة، رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخيل وأشجار وماء كثير، فذكر ذلك لأصحابه، ففرحوا لذلك وظنوا أنهم سيرون فرجا وسعة بعد أذى المشركين، فصبروا مدة فلم يروا أثرا لذلك، فقالوا: يا رسول الله، لم نر ما أخبرتنا به، فمتى سنهاجر إلى تلك الأرض التي رأيتها في منامك؟ فسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت هذه الآية: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم (1).
إلا أن سبب النزول هذا يبدو بعيدا، لأن المخاطبين في هذه الآيات أعداء النبي لا أصحابه، لكن يمكن أن يكون هذا من باب التطبيق، أي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) تمسك بهذه الآية وأجاب بها أصحابه حينما طرحوا هذا السؤال.
وتضيف آخر آية من هذه الآيات، ولتكملة ما ورد في الآيات السابقة: قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين (2).
وللمفسرين أقوال في الشاهد من بني إسرائيل الذي شهد على كون القرآن المجيد حقا...
قال البعض: إنه موسى بن عمران (عليه السلام) الذي أخبر في عصره بظهور نبي الإسلام، وأعطى أوصافه وعلاماته.