إن التعبير ب " الجزء " يبين من جانب أن هؤلاء كانوا يعتبرون الملائكة أولاد الله تعالى، لأن الولد جزء من وجود الأب والأم، وينفصل عنهما كنطفة تتكون وتتلقح، وإذا ما تلقحت تكون الولد من تلك اللحظة. ويبين من جانب آخر قبولهم عبادتها، لأنهم كانوا يظنون الملائكة جزءا من الآلهة في مقابل الله سبحانه.
ثم إن هذا التعبير استدلال واضح على بطلان اعتقاد المشركين الخرافي، لأن الملائكة إن كانت أولادا لله سبحانه، فإن ذلك يستلزم أن يكون لله جزء، ونتيجة ذلك أن ذات الله مركبة سبحانه، في حين أن الأدلة العقلية والنقلية شاهدة على بساطة وجوده وأحديته، لأن الجزء مختص بالموجودات الممكنة.
ثم تضيف: إن الإنسان لكفور مبين فمع كل هذه النعم الإلهية التي أحاطت بوجوده، والتي مر ذكر خمس منها في الآيات السابقة، فإنه بدل أن يطأطئ رأسه إعظاما لخالقه، وإجلالا لولي نعمته، سلك سبيل الكفر واتجه إلى مخلوقات الله ليعبدها!
في الآية التي بعدها يستثمر القرآن الثوابت الفكرية لدى هؤلاء من أجل إدانة هذا التفكير الخرافي، لأنهم كانوا يرجحون جنس الرجل على المرأة، وكانوا يعدون البنت عارا - عادة - يقول تعالى: أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين؟ فإذا كان مقام البنت أدنى في اعتقادكم، فكيف ترجحون أنفسكم وتعلونها على الله، فتجعلون نصيبه بنتا، ونصيبكم ولدا؟
صحيح أن المرأة والرجل متساويان في القيم الإنسانية السامية عند الله سبحانه، إلا أن الاستدلال باعتقادات المخاطب يترك أحيانا في فكره أثرا يدفعه إلى إعادة النظر فيما يعتقد.
وتتابع الآية التالية هذا البحث ببيان آخر، فتقول: وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم.
والمراد من بما ضرب للرحمن مثلا هم الملائكة الذين كانوا يعتبرونهم بنات