إن هذا التعبير قد يكون إشارة إلى أن هؤلاء كانوا يعتقدون بالجبر، وأن كل ما يصدر منا فهو بإرادة الله، وكل ما نفعله فهو برضاه أو أنه لو لم يكن راضيا عن أعمالنا وعقائدنا لوجب أن ينهانا عنها، ولما لم ينهنا عنها فإن ذلك دليل على رضاه.
الحقيقة، أن هؤلاء اختلقوا خرافات جديدة من أجل توجيه عقائدهم الخرافية الفاسدة الأولى، وافتروا أكاذيب جديدة لإثبات أكاذيبهم الأولى، وأيا من الاحتمالين - أعلاه - كان مرادهم، فهو فاسد من الأساس.
صحيح أن كل شئ في عالم الوجود لا يكون إلا بإذن الله تعالى، إلا أن هذا لا يعني الجبر، إذ يجب أن لا ننسى أن الله سبحانه هو الذي أراد لنا أن نكون مختارين وأحرارا في اختيارنا وتصرفنا، ليختبرنا ويربينا.
وصحيح أيضا أنه يجب أن ينهى الله سبحانه عباده عن الباطل، لكن لا يمكن إنكار أن جميع الأنبياء قد تصدوا لردع الناس عن كل نوع من أنواع الشرك والازدواجية في العبادة.
إضافة إلى ذلك، فإن عقل الإنسان السليم ينكر هذه الخرافات أيضا أليس العقل - هو رسول الله الداخلي - في أعماق الإنسان؟!
وتجيب الآية في النهاية بجملة قصيرة على هذا الاستدلال الواهي لعبدة الأصنام، فتقول: مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون.
إن هؤلاء لا علم ولا إيمان لهم حتى بمسألة الجبر أو رضي الله سبحانه عن أعمالهم، بل هم - ككثير من متبعي الهوى والمجرمين الآخرين - يتخذون مسألة الجبر ذريعة لهم من أجل تبرئة أنفسهم من الذنب والفساد، فيقولون: إن يد القضاء والقدر هي التي جرتنا إلى هذا الطريق وحتمته علينا! مع علمهم بأنهم يكذبون، وأن هذه ذريعة ليس إلا، ولذلك فإن أحدا لو اغتصبهم حقا فإنهم غير مستعدين أبدا لغض النظر عن معاقبته مطلقا، ولا يقولون: إنه كان مجبرا على عمله هذا!