إن جملة: لتستووا على ظهوره إشارة إلى أن الله سبحانه قد خلق هذه المراكب على هيئة تستطيعون معها ركوبها بصورة جيدة، وتصلون إلى مقاصدكم براحة ويسر (1).
لقد أوضحت هذه الآية هدفين لخلق هذه المراكب البحرية والبرية، من الفلك والأنعام، أحدهما: ذكر نعم الله سبحانه حين الاستواء على ظهورها، والآخر: تنزيه الله سبحانه الذي سخرها للإنسان، فقد جعل الفلك على هيئة تقدر أن تشق صدر الأمواج وتسير نحو المقصد، وجعل الدواب والأنعام خاضعة لأمر الإنسان ومنقادة لإرادته.
" مقرنين " من مادة " إقران "، أي امتلاك القدرة على شئ، وقال بعض أرباب اللغة: إنه يعني مسك الشئ وحفظه، وفي الأصل بمعنى وقوع الشئ قرينا لشئ آخر، ولازم ذلك القدرة على حفظه (2).
بناء على هذا، فإن معنى جملة وما كنا له مقرنين هو أنه لو لم يكن لطف الله وعنايته لما كان بإمكاننا السيطرة على هذه المراكب وحفظها، ولتحطمت بفعل الرياح المخالفة لحركة السفن، وكذلك الحيوانات القوية التي تفوق قوتها قوة الإنسان أضعافا، ما كان الإنسان ليستطيع أن يقترب منها مطلقا لولا روح التسليم التي تحكمها، ولذلك حين يغضب أحد هذه الحيوانات ويفقد روح التسليم، فإنه سيتحول إلى موجود خطر لا يقوى عدة أشخاص على مقابلته، في حين أن من الممكن في حالة سكونها ودعتها - أن تربط عشرات، بل مئات منها بحبل وزمام، ويسلم بيد صبي ليذهب بها حيث يشاء، وكأن الله سبحانه يريد أن يبين للإنسان نعمة الحالة الطبيعية للحيوانات من خلال بيان الحالة الاستثنائية.