غير أن علامات التوحيد هذه، وعظمة الله تعالى إنما يلتفت إليها وينتفع بها المؤمنون، أي طلاب الحق والسائرون في طريق الله، أما عمي القلوب المغرورون المغفلون، فهم محرومون من إدراكها والإحساس بها.
ثم انتقلت السورة من آيات الآفاق إلى آيات الأنفس، فقالت: وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون.
كما ورد في العبارة المعروفة والمنسوبة إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام): " أتحسب انك جرم صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر "، وكل ما هو موجود في ذلك العالم الكبير يوجد منه نموذج مصغر في داخل جسم الإنسان وروحه.
إن خصاله وصفاته مركبة من خصال الكائنات الحية وصفاتها، وتنوع خلقته عصارة مجموعة من حوادث هذا العالم الكبير.
إن بناء خلية من خلاياه كبناء مدينة صناعية عظيمة مليئة بالأسرار، وخلق شعرة منه - بخصائصها وأسرارها المختلفة التي اكتشفت بقدرة العلم وتطوره - آية عظيمة من آيات الله العظيم.
إن وجود آلاف الكيلومترات من العروق والشرايين والأوردة الكبيرة والصغيرة، والأوعية الدموية الصغيرة جدا والشعيرات المتناهية في الصغر في بدن الإنسان، وآلاف الكيلومترات من طرق المواصلات وأسلاك الاتصالات في سلسلة الأعصاب، وكيفية ارتباطها واتصالها بمركز القيادة في المخ، والذي هو مزيج فذ من العقد والأسرار، وقوي في الوقت نفسه، وكذلك طريقة عمل كل جهاز من أجهزة البدن الداخلية وانسجامها العجيب في مواجهة الأحداث المفاجئة، والدفاع المستميت للقوى المحافظة على البدن ضد هجوم العوامل الخارجية.. كل واحد من هذه الأمور يشكل - بحد ذاته - آية عظمي من آيات الله سبحانه.
وإذا تجاوزنا الإنسان، فإن مئات الآلاف من أنواع الكائنات الحية، ابتداء من الحيوانات المجهرية وحتى الحيوانات العملاقة، بخصائصها وبناء أجهزتها